فصل: ** ذبَّحَ يُذبِّح، تذبيحًا، فهو مُذبِّح، والمفعول مُذبَّح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم اللغة العربية المعاصرة



.تفسير الآية رقم (10):

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
{والذين جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ} هم الذينَ هاجرُوا بعد ما قَوِيَ الإسلامُ أو التابعونَ بإحسانٍ وهم المؤمنونَ بعد الفريقينِ إلى يومِ القيامةِ ولذلك قيلَ إن الآيةَ قد استوعبتْ جميعَ المؤمنينَ، وأياً ما كان فالموصولُ مبتدأٌ خبرُهُ {يَقُولُونَ} إلخ والجملةُ مسوقةٌ لمدحِهِم بمحبَّتِهِم لمنْ تقدَمَهُم من المؤمنينَ ومراعاتِهِم لحقوقِ الأخوةِ في الدينِ والسبقِ بالإيمانِ كما أنَّ ما عُطفتْ عليه من الجملةِ السابقةِ لمدحِ الأنصارِ، أيْ يدعونَ لهم {رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا} أيْ في الدينِ الذي هو أعزُّ وأشرفُ عندهُم من النسبِ {الذين سَبَقُونَا بالإيمان} وصفُوهُم بذلكَ اعترافاً بفضلِهِم {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ} وقرئ: {غِمْراً} وهُمَا الحقدُ {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} على الإطلاقِ {رَبَّنَا إِنَّكَ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ} أي مُبالغٌ في الرأفةِ والرحمةِ، فحقيقٌ بأنْ تجيبَ دُعاءَنَا.

.تفسير الآيات (11- 12):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نافقوا} حكايةٌ لِمَا جَرَى بينَ الكفرةِ والمنافقينَ من الأقوالِ الكاذبةِ والأحوالِ الفاسدةِ، وتعجيبٌ منها بعد حكايةِ محاسنِ أحوالِ المؤمنينَ وأقوالِهِم على اختلافِ طبقاتِهِمْ. والخطابُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أو لكلِّ أحدٍ ممن له حظٌ من الخطابِ. وقولِهِ تعالى: {يَقُولُونَ} إلخ استئنافٌ لبيانِ المتعجَّبِ منهُ. وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على استمرارِ قولِهِم أو لاستحضارِ صورتِهِ. واللامُ في قولِهِ تعالى: {لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} للتبليغِ. والمرادُ بأخوَّتِهِم إما توافُقُهُم في الكفرِ أو صداقَتُهُم وموالاتُهُمْ. واللامُ في قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} أي من ديارِكُم قَسْراً واللام موطئةٌ للقسمِ. وقولُهُ تعالى: {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} جوابُ القسمِ، أيْ والله لئِنْ أُخْرجتُم لنخرجنَّ معكم البتةَ ونذهبنَّ في صُحْبَتكم أينما ذهبتُم {وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ} أيْ في شأنِكُمْ {أَحَدًا} يمنعنا منَ الخروجِ معكُم {أَبَدًا} وإنْ طالَ الزمانُ، وقيلَ لا نطيعُ في قتالِكُم أو خذلانِكُم وليسَ بذاكَ لأن تقديرَ القتالِ مترقبٌ بعد ولأن وعدَهُم لهم على ذلك التقديرِ ليسَ مجردَ عدمِ طاعتِهِم لمن يدعُوهُم إلى قتالهِم بل نصرتَهُم عليهِ كما ينطقُ به قولُهُ تعالى: {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} أي لنعاونَنَّكُم على عدوِّكم على أن دعوتَهُم إلى خذلانِ اليهودِ مما لا يمكنُ صدورُهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمينَ حتى يدَّعوا عدمَ طاعتِهِم فيها ضرورةَ أنَّها لو كانَتْ لكانَتْ عند استعدادِهِم لنصرتِهِم وإظهارِ كفرِهِم ولا ريبَ في أنَّ ما يفعله عليه الصلاةُ والسلامُ عند ذلكَ قتلَهُم لا دعوَتَهُم إلى تركِ نصرتِهِم، وأما الخروجُ معهم فليسَ بهذه المرتبةِ من إظهارِ الكفرِ لجوازِ أن يدَّعوا أن خروجَهُم معهم لما بينَهُم من الصداقةِ الدنيويةِ لا للموافقةِ في الدينِ {والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون} في مواعيدِهِم المؤكدةِ بالأيمانِ الفاجرةِ. وقوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} إلخ تكذيبٌ لهم في كلِّ واحدٍ من أقوالِهِم على التفصيلِ بعدَ تكذيبِهِم في الكُلِّ على الإجمالِ {وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ} وكانَ الأمرُ كذلك فإنَّ ابْنَ أُبيّ وأصحابَهُ أرسلُوا إلى بَنِي النضيرِ ذلكَ سراً ثم أخلفُوهُم وفيه حجةٌ بينةٌ لصحةِ النبوة وإعجازِ القرآنِ.
{وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ} على الفرضِ والتقديرِ {لَيُوَلُّنَّ الأدبار} فراراً {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} أي المنافقونَ بعد ذلكَ، أي يهلكهم الله ولا ينفَعُهُم نفاقُهُم لظهورِ كفرِهِم أو ليَهْزُمَنَّ اليهودُ ثم لا ينفعُهُم نصرةُ المنافقينَ.

.تفسير الآيات (13- 15):

{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)}
{لاَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} أي أشدُّ مرهوبيةً على أنها مصدرٌ من المبنيِّ للمفعولِ {فِى صُدُورِهِمْ مّنَ الله} أي رهبتُهُم منكُم في السرِّ أشدُّ مما يظهرونَهُ لكم من رهبةِ الله فإنهم كانُوا يدَّعونَ عندَهُم رهبةً عظيمةً من الله تعالى {ذلك} أي ما ذُكِرَ من كونِ رهبتِهِم منكُم أشدَّ من رهبةِ الله {بِأَنَّهُمْ} بسببِ أنَّهُم {قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أيْ شيئاً حتى يعلمُوا عظمةَ الله تعالى فيخشَوه حقَّ خشيتِهِ.
{لاَ يقاتلونكم} أي اليهودَ والمنافقونَ بمعنى لا يقدرونَ على قتالِكُم {جَمِيعاً} أي مجتمعينَ متفقينَ في موطنٍ من المواطنِ {إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} بالدروبِ والخنادقِ {أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} دونَ أنْ يصحرُوا لكُم ويبارزُوكم لفرطِ رهبتِهِم وقرئ: {جُدْرٍ} بالتخفيفِ وقرئ: {جِدَارٍ} وبإمالةِ فتحةِ الدالِ وجَدْرِ وجدر وهما الجدارُ {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} استئنافٌ سيقَ لبيانِ أن ما ذكرَ من رهبتِهِم ليسَ لضعفِهِم وجبنِهِم في أنفسِهِم فإنَّ بأسَهُم بالنسبة إلى أقرانِهِم شديدٌ وإنما ضعفُهُم وجبنُهُم بالنسبةِ إليكُم بما قذفَ الله تعالَى قلوبَهُم من الرعبِ {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} مجتمعينَ متفقينَ {وَقُلُوبُهُمْ شتى} متفرقةٌ لا أُلفةَ بينَهَا {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي ما ذُكِرَ منْ تشتتِ قلوبِهِم بسببِ أنَّهُم {قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أي لا يعقلونَ شيئاً حتَّى يعرفُوا الحقَّ ويتبعُوه وتطمئنَ به قلوبُهُم وتتحدَ كلمتُهُم ويرمُوا عن قوسٍ واحدةٍ فيقعونَ في تيهِ الضلالِ وتشتتِ قلوبِهِم حسبَ تشتتِ طرقِهِ وتفرقِ فنونِهِ، وأمَّا ما قِيل مِنْ أنَّ المعنى لا يعقلونَ أنَّ تشتتَ القلوبِ مما يُوهِنُ قُواهُم فبمعزلٍ منَ السدادِ. وقوله تعالى: {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ مثلُهم أيْ مثلُ المذكورينَ من اليهودِ والمنافقينَ كمثلِ أهلِ بدرٍ أو بني قَينُقَاع على ما قيلَ من أنهم أُخرِجُوا قبلَ بني النضيرِ {قَرِيبًا} في زمانٍ قريبٍ، وانتصابُهُ بمثَلِ، إذِ التقديرُ كوقوعِ مثلِ إلخ {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي سوءَ عاقبةِ كُفرِهِم في الدُّنيا {وَلَهُمْ} في الآخرةِ {عَذَابٌ أَلِيمٌ} لا يُقَادِرُ قَدْرُهُ والمَعْنَى أنَّ حالَ هؤلاءِ كحالِ أولئكَ في الدُّنيا والآخرةِ لكنْ لا على أنَّ حالَ كُلِّهم كحالِهِم بلْ حالُ بعضِهِم الذينَ هم اليهودُ كذلكَ وأما حالُ المنافقينَ فهيَ ما نطقَ به.

.تفسير الآيات (16- 19):

{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)}
قولُه تعالى: {كَمَثَلِ الشيطان} فإنَّه خبرٌ ثانٍ للمبتدأ المقدرِ مبينٌ لحالِهِم متضمنٌ لحالٍ أُخْرَى لليهودِ وهي اغترارُهم بمقالةِ المنافقينَ أولاً وخيبتُهُم آخِراً وقد أُجْمِلَ في النظمِ الكريمِ، حيثُ أُسنِدَ كلٌّ من الخبرينِ إلى المقدرِ المضافِ إلى ضميرِ الفريقينِ منْ غير تعيينِ ما أُسْنِدَ إليهِ بخصوصِهِ ثقةً بأنَّ السامعَ يردُّ كلاً من المثلينِ إلى ما يماثلُهُ كأنَّهُ قيلَ مثلُ اليهودِ في حلولِ العذابِ بهم كمثلِ الذينَ منْ قبلِهِم الخ. ومثلُ المنافقينَ في إغرائِهِم إيَّاهُم على القتالِ حسبما نُقِلَ عنهُم كمثلِ الشيطانِ {إِذْ قَالَ للإنسان اكفر} أيْ أغراهُ على الكفرِ إغراءِ الآمرِ المأمورَ على المأمورِ بهِ {فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىء مّنكَ} وقرئ: {أنا بريءٌ منكَ}. إنْ أريدَ بالإنسانِ الجنسُ فهذَا التبرؤُ منَ الشيطانِ يكونُ يومَ القيامةِ كما ينبىءُ عنْهُ قوله تعالى: {إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} وإنْ أُرِيدَ بهِ أبو جهلٍ، فقولُهُ تعالى: {اكفر} عبارةٌ عنْ قولِ إبليسِ يومَ بدرٍ {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} وتبرؤه قولُه يومئذٍ {إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ إِنّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّي أَخَافُ الله} الآيةَ {فَكَانَ عاقبتهما} بالنصبِ على أنَّهُ خبرُ كانَ واسمُهَا {أَنَّهُمَا فِي النار} وقرئ بالعكسِ وقد مرَّ أنه أوضحُ {خالدين فِيهَا} وقرئ: {خالدانِ فيها} عَلى أنه خبرُ أنَّ وفي النارِ لغوٌ {وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين} أي الخلودُ في النارِ جزاءُ الظالمينَ على الإطلاقِ دونَ هؤلاءِ خاصَّة.
{ياأيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} أي في كلِّ ما تأتونَ وما تذرونَ {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أيْ أيُّ شيءٍ قدمَتْ من الأعمالِ ليومِ القيامةِ عبرَ عنْهُ بذلكَ لدنوِّهِ أو لأن الدنيا كيومٍ والآخرةُ هي غَدُهُ وتنكيرُهُ لتفخيمِه وتهويلِه كأنه قيلَ لغدٍ لا يُعرفُ كنهُهُ لغايةِ عظمِه، وأما تنكيرُ نفسٍ فلاستقلالِ الأنفسِ النواظرِ فيما قدَّمن لذلكَ اليومَ الهائلِ، كأنه قيلَ ولتنظُر نفسٌ واحدةٌ في ذلكَ.
{واتقوا الله} تكريرٌ للتأكيدِ، أو الأولُ في أداءِ الواجباتِ كما يُشعرُ به ما بعدَهُ من الأمرِ بالعملِ، وهذا في تركِ المحارمِ كما يُؤذنُ بهِ الوعيدُ بقولِهِ تعالَى: {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي من المعاصِي {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله} أي نَسُوا حقوقَهُ تعالَى وما قدرُوه حقَّ قدرِهِ ولم يراعُوا مواجبَ أوامرِهِ ونواهِيه حقَّ رعايتِهَا {فأنساهم} بسببِ ذلكَ {أَنفُسِهِمْ} أي جعلَهُم ناسينَ لها حتَّى لم يسمعُوا ما ينفعُها ولم يفعَلُوا ما يخلِّصُهَا أو أراهُم يومَ القيامةِ من الأهوالِ ما أنساهُم أنفسَهُم {أُولَئِكَ هُمُ الفاسقون} الكاملونَ في الفسوقِ.

.تفسير الآيات (20- 23):

{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}
{لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار} الذينَ نسُوا الله تعالَى فاستحقُّوا الخلودَ في النارِ. {وأصحاب الجنة} الذينَ اتَقوا الله فاستحقُّوا الخلودَ في الجنة، ولعلَّ تقديمَ أصحابِ النارِ في الذكرِ للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ القصورَ الذي ينبىءُ عنه عدمُ الاستواءِ من جهتِهِم لا من جهةِ مقابلِيهِم فإن مفهومَ عدمِ الاستواءِ بين الشيئينِ المتفاوتينِ زيادةً ونقصاناً وإن جازَ اعتبارُهُ بحسبِ زيادةُ الزائدِ، لكنْ المتبادرُ اعتبارُهُ بحسبِ نقصانِ الناقصِ، وعليهِ قولُهُ تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} إلى غيرِ ذكلَ منَ المواقعِ وأما قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} فلعلَّ تقديمَ الفاضلِ فيهِ لأنَّ صلَتَهُ ملكةٌ لصلةِ المفضولِ والاعدامُ مسبوقةٌ بملكاتِهَا وَلاَ دلالةَ في الآيةِ الكريمةِ على أنَّ المسلمَ لا يقتصُّ بالكافرِ وأنَّ الكفارَ لا يملكونَ أموالَ المسلمينَ بالقهرِ لأنَّ المرادَ عدمُ الاستواءِ في الأحوالِ الأخرويةِ كما ينبىءُ عنه التعبيرُ عن الفريقينِ بصاحبيةِ النَّارِ وصاحبيةِ الجنَّةِ وكذا قولُهُ تعالى: {أصحاب الجنة هُمُ الفائزون} فإنَّه استئنافٌ مبينٌ لكيفةِ عدمِ الاستواءِ بينَ الفريقينِ أي هُم الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ الناجونَ عنْ كلِّ مكروهٍ.
{لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان} العظيمَ الشأنِ المنطويَ على فنونِ القوارعِ {على جَبَلٍ} من الجبالِ {لَّرَأَيْتَهُ} مع كونِهِ عَلماً في القسوةِ وعدمِ التأثرِ مما يصادِمُهُ {خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله} أي متشققاً منها. وقرئ: {مُصَدَّعاً} بالإدغامِ وهذا تمثيلٌ وتخييلٌ لعلوِّ شأنِ القرآنِ وقوةِ تأثيرِ ما فيهِ من المواعظِ كما ينطقُ به قولُهُ تعالى: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أُريدَ به توبيخَ الإنسانِ على قسوةِ قلبهِ وعدم تخشعِهِ عندَ تلاوتِهِ وقلةِ تدبرِهِ فيه {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وَحْدَهُ {عالم الغيب والشهادة} أي ما غابَ عن الحسِّ من الجَوَاهِرِ القُدسيةِ وأحوالِهَا وما حضرَ لهُ من الأجرامِ وأعراضِهَا. وتقديمُ الغيبِ على الشهادةِ لتقدمِهِ في الوجودِ وتعلقِ العلمِ القديمِ به. أو المعدُوم والموجودُ أو السرُّ والعلانيةُ {هُوَ الرحمن الرحيم هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كُرِّرَ لإبرازِ الاعتناءِ بأمرِ التوحيدِ {الملك القدوس} البليغُ في النزاهةِ عما يوجبُ نُقْصاناً مَا. وقرئ بالفتحِ وهي لغةٌ فيهِ {السلام} ذُو السلامةِ من كلِّ نقصٍ وآفةٍ، مصدرٌ وصفَ بهِ للمبالغةِ {المؤمن} واهبُ الأمنِ. وقرئ بالفتحِ بمَعْنَى المُؤْمَنُ بهِ على حذفِ الجارِّ {المهيمن} الرقيبُ الحافظُ لكلِّ شيءٍ مُفَيْعِلٌ منْ الأمن بقلبِ همزتِهِ هاءً {العزيز} الغالبُ {الجبار} الذي جبرَ خلقَهُ على ما أرادَ، أو جبرَ أحوالَهُم، أي أَصْلَحَها {المتكبر} الذي تكبرَ عن كلِّ ما يوجبُ حاجةً أو نُقصاناً، أو البليغُ الكبرياءِ والعظمةِ {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيهٌ له تعالَى عمَّا يشركُونَهُ به تعالى أو عن إشراكِهِم به تعالى إثرَ تعدادِ صفاتِهِ التي لا يمكِنُ أنْ يشارِكَهُ تعالَى في شيءٍ منها شيءٌ ما أصلاً.

.تفسير الآية رقم (24):

{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
{هُوَ الله الخالق} المقدرُ للأشياءِ على مُقتضى حكمتِهِ {البارىء} الموجدُ لها بريئاً منَ التفاوتِ، وقيلَ المميزُ بعضَهَا من بعضٍ بالأشكالِ المختلفةِ {المصور} الموجدُ لصورِهَا وكيفياتِهَا كما أرادَ {لَهُ الأسماء الحسنى} لدلالتِهَا على المعانِي الحسنةِ {يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السموات والأرض} ينطقُ بتنزههِ تعالَى عن جميعِ النقائصِ تنزهاً ظاهراً {وَهُوَ العزيز الحكيم} الجامعُ للكمالاتِ كافةً فإنها معَ تكثرِهَا وتشعبها راجعةٌ إلى الكمالِ في القدرةِ والعلمِ، عن النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «منْ قرأَ سورةَ الحشرِ غفرَ الله لهُ ما تقدمَ من ذنبِهِ وما تأخرَ».

.سورة الممتحنة:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)}
{ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} نزلتْ في حاطبِ ابنِ أبي بَلْتَعةَ وذلكَ أنَّه لمَّا تجهزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لغزوةِ الفتحِ كتبَ إلى أهلِ مكةٍ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يريدُكُم فخُذُوا حذْرَكُم وأرسلَهُ مع سارةَ مولاةِ بني المطلبِ فنزلَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالخبرِ فبعثَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحةَ والزبيرَ والمقدادَ وأبا مرثدٍ وقالَ انطلقُوا حتى تأتُوا روضةَ خاخٍ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابُ حاطبٍ إلى أهلِ مكةَ فخذُوه منهَا وخلُّوها فإنْ أبتْ فاضربُوا عنقَهَا فأدركُوهَا ثمةَ فجحدتْ فسلَّ عليٌّ سيفَهُ فأخرجْتَهُ من عقاصِهَا فاستحضَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال ما حملكَ على هَذا فقالَ يا رسولَ الله ما كفرتُ منذ أسلمتُ ولا غششتكَ منذُ نصحتكَ ولكني كنتُ امرءاً ملصَقاً في قريشٍ وليسَ لي فيهم مَنْ يحمي أَهْلِي فأردتُ أن آخذَ عندهُم يداً وقد علمتُ أن كتابيَ لن يُغْنيَ عنهُم شيئاً فصدَّقَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقبلَ عذرَهُ {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أي تُوصلونَ إليهم المودَّةَ على أنَّ الباءَ زائدةٌ كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} أو تلقونَ إليهم أخبارَ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بسببِ المودَّةِ التي بينكُم وبينَهُم والجملةُ إما حالٌ مِن فاعلِ لا تتخِذُوا أو صفةٌ لأولياءَ وإبرازُ الضميرِ في الصفاتِ الجاريةِ على غيرِ مَنْ هيَ لهُ إنما يُشترطُ في الإسمِ دونَ الفعلِ أو استئنافٌ {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ الحق} حالٌ من فاعلِ تلقونَ وقيلَ من فاعلِ لا تتخذُوا وقرئ: {لِمَا جاءَكُم} أي كفرُوا لأجلِ ما جاءكُم بمعنى جعلِ ما هو سببُ الإيمانِ سبباً للكفرِ {يُخْرِجُونَ الرسول وإياكم} أي منْ مكةَ وهو إما حالٌ من فاعلِ كفرُوا أو استئنافٌ مبينٌ لكفرِهِم وصيغةُ المضارعِ لاستحضارِ الصُّورَةِ وقولِهِ تعالى: {أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبّكُمْ} تعليلٌ للإخراجِ وفيهِ تغليبُ المخاطبِ على الغائبِ والتفاتٌ منَ التكلمِ إلى الغَيبةِ للإشعارِ بما يوجبُ الإيمانَ من الأُلوهيةِ والرُّبوبيةِ {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِى وابتغاء مَرْضَاتِى} متعلقٌ بلا تتخذُوا كأنَّه قيلَ لا تتولَّوا أعدائِي إن كُنتُم أوليائِي وقولُهُ تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} استئنافٌ واردٌ على نهجِ العتابِ والتوبيخِ أي تُسرونَ إليهِم المودَّةَ أو الأخبارَ بسببِ المودَّةِ {وَأَنَاْ أَعْلَمُ} أيْ والحالُ أنِّي أعلمُ منكُم {بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ} ومُطْلعٌ رسولِي عَلى ما تسرونَ فأيُّ طائلٍ لكم في الإسرارِ وقيلَ أعلمُ مضارعٌ والباءُ مزيدةٌ ومَا موصولةٌ أو مصدريةٌ وتقديمُ الإخفاءِ على الإعلانِ قد مرَّ وجهُهُ في قولِهِ تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} أي الاتخاذَ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل} فقد أخطأَ الحقَّ والصوابَ.